تأهيل الطلاب ذوي الإعاقة الذهنية مهنيًا
يعد إعداد وتأهيل الطلاب ذوي الإعاقة الذهنية مهنيا هدفًا ساميًا وعزيزًا لأسرهم ولكل من يعمل فى مجال تعليمهم وتدريبهم. إن إعداد وتأهيل الطالب ذي الإعاقة الذهنية لا يعنى التركيز على المجال المهني فقط، بل على العديد من المجالات الأخرى سواء كانت تعليمية أو لغوية أو اجتماعية... إلخ، وهى ما يطلق عليه فى مجمله بالمهارات الضرورية للعمل. من أجل ذلك فإن من واجب الذين يعملون على تخطيط البرامج لهؤلاء الطلاب أن يضعوا ذلك فى الاعتبار ويخصصوا وقتًا كافيًا لتدريبهم على تلك المهارات جنبًا الى جنب مع التدريب على المهن.
إن مرحلتى الإعداد والتأهيل المهني للطلاب ذوى الإعاقة الذهنية يجب أن يسبقها عمل كثير ومثابرة سواء من الإخصائيين أو الأهل لإعداد الطالب للوصول لهذه المرحلة، ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت أن إعداد الطالب مهنيًا يبدأ منذ انضمامه إلى مرحلة ما قبل المدرسة، تلك المرحلة التى يتم تدريب الطفل فيها على تنفيذ التعليمات البسيطة سواء فى البيت أو فى المدرسة واكتسابه للعديد من المهارات مثل التقليد ومهارات التواصل، سواء كان لغويًا أو غير لغوي، وتطوير مهاراته الاجتماعية ومهارات الرعاية الذاتية والمهارات المنزلية المختلفة... إلخ، علاوة على تنمية أدائه الحركي والفني عن طريق التربية الرياضية والفنية. كل هذه الخبرات وغيرها الكثير يجب أن تقدم للطفل فى الوقت والمكان المناسبين وبالطريقة المناسبة حتى يجيدها الطفل ويتقنها، وهنا يجدر بى أن أشير إلى أهمية التدخل المبكر فكلما بدأ التدريب مبكرًا أمكن إكساب الطفل أكبر قدر ممكن من المهارات المطلوبة.
وأخيرًا إن التعليم والتدريب المنظم والمثابر للطالب يساعده على الانتقال من مرحلة إلى مرحلة حتى يصل إلى مرحلة التأهيل المهني وهو أكثر استعدادًا لها. وعند اختيارنا للعمل المناسب للطالب يجب أن نضع فى الاعتبار قدرة الطالب على تعلم المهارات المطلوبة وإتقانها من حيث الكيف بنفس كفاءة الفرد الذى لا يعانى من إعاقة، أما من حيث الكم فإننا نقبل منه أداء أقل سرعة مقارنة بالفرد الذى لا يعانى من إعاقة، لكن فى نفس الوقت يجب أن نصل بإنتاجيته إلى الحد الذى يجعلها كافية لتلبية احتياجاته المعيشية. وهناك أعمال كثيرة تصلح وتتناسب مع قدرات الطلاب ذوى الإعاقة الذهنية إذ ما تم وضع خصائصهم وقدراتهم في الاعتبار، وهى ما يطلق عليها نقاط القوة والضعف في الأداء، و بناء الخطة التعليمية والتدريبية التي تستفيد من نقاط القوة وتنمى نقاط الضعف علاوة على تدريبهم على مهارات الأعمال التى يترشحون لها ومراعاة ظروف العمل واحتياجاته المختلفة.
دور الآباء فى تنمية القدرات المهنية لدى أبنائهم ذوي الإعاقة الذهنية
يلعب آباء الطلاب ذوى الإعاقة الذهنية دورًا مهمًا فى حياة أبنائهم، فهم أول من يكتشف وجود مشكلات لديهم ويسعون سعيًا حثيثًا للحصول على تشخيص مناسب يفسر لهم حالة أبنائهم ويبحثون عن الخدمات المناسبة التى تساعدهم على تنمية قدراتهم.
إن الدور الذى يلعبه الآباء مع أبنائهم ذوي الإعاقة الذهنية مستمر ولا يتوقف عند مرحلة بعينها منذ اكتشاف إصابة ابنهم، وحتى إلحاقه بأحد المراكز المتخصصة، وصولاً إلى إلحاقه بالتعليم العام أو استمراره فى هذه المراكز وتدريبه مهنيًا بحسب قدراته الذهنية. إن عمل الآباء مع الطالب بالمنزل بالتوازي مع عمل الإخصائيين بالمراكز مهم وضرورى للغاية، فهو يسرع بتحقيق الأهداف المرجوة ويختصر الزمن اللازم للتعلم بشكل ملحوظ.
إن توفير الآباء لبيئة آمنة وداعمة واستفادتهم من الفرص الطبيعية لنقل المعرفه لأبنائهم وطلب المشورة بلا كلل من الإخصائيين لاكتساب مهارات ضبط المشكلات السلوكية لدى أبنائهم يعد بداية مبكرة ومهمة وضرورية جدًا للتأهيل المهني. فالتأهيل الكهني للطلاب ذوى الإعاقة الذهنية لا يبدأ فقط عند تدريبهم على تعلم مهنة ما، بل يبدأ قبل ذلك بكثير ومنذ المراحل الأولى التى تلي اكتشاف إعاقتهم من خلال المثابرة على تدريبهم على المهارات الأولية الضرورية واللازمة لعمليات التعلم التالية، فمثلاً الطالب ضعيف الانتباه يلزمه برنامج لتحسين انتباهه، فبدون انتباه لا يحدث تعلم جيد والطالب الذى ليست لديه حصيلة لغوية داخلية لن يستطيع تنفيذ التعليمات مهما كانت بسيطة.
إن المنزل والمدرسة دعامتان أساسيتان يرتكز عليهما تدريب الأبناء ذوي الإعاقة الذهنية لإكسابهم عديد من المهارات الضرورية التى تؤهلهم للمراحل التالية حتى يصلوا إلى مرحلة التأهيل المهني. وإن توجيه الآباء لأبنائهم لتنفيذ بعض التعليمات البسيطة بالمنزل يعتبر امرًا مهمًا وضروريًا ومكملاً للتدريب الذى يقوم به المركز أو المدرسة. فعندما يطلب أحد افراد الأسرة من الطالب أن يعيد ترتيب سريره عند استيقاظه ومساعدته فى البداية ثم سحب المساعدة تدريجيًا ومكافئته كلما استطاع تنفيذ المطلوب منه، يكون أثره كبيرًا على الآباء والأبناء ايضًا حيث تزيد ثقة الأب فى ابنه وثقة الابن فى نفسه وفى قدرته على تنظيم أموره بنفسه. نفس هذا الشئ نجده عندما يطلب أحد أفراد الأسرة من ابنه أن يملأ زجاجة مياه ويضعها فى الثلاجة أو يقوم برفع الصحون بعد تناول الطعام وإعادتها إلى المطبخ أو غسيل صحونه أو تشجيعه على التسوق والتعامل بالنقود أو وضع شئ فوق شئ آخر أو تحته... إلخ، هذه هي المفاهيم المهمة والضرورية.
إن الأمثلة المذكورة سابقًا هى مجرد أمثلة ونماذج وغيرها كثير، وهي تمثل اللبنات الأولى والأساسية للتأهيل المهني لذوي الإعاقة. وأخيرًا، يجب أن نتذكر أنه لا توجد وظيفة مهما كانت بسيطة إلا وتتطلب أن يكون الفرد قد أعد لشغلها اعدادًا ملائمًا، وأهمية دور المنزل فى ذلك لا يقل بحال من الأحوال عن دور المدرسة.